يستضيف المتحف البريطاني في لندن حاليًا معرضًا فنيًا استثنائيًا معرض هيروشيغه يعرض مجموعة فريدة من أعمال الفنان الياباني الشهير أوتاكاوا هيروشيغه، الذي يعد واحدًا من أعظم فناني فترة الإيدو في اليابان. هذا المعرض الذي جذب منذ افتتاحه آلاف الزوار من مختلف أنحاء العالم، يقدم فرصة نادرة للغوص في تفاصيل الحياة اليومية والمناظر الطبيعية لليابان القديمة من خلال لوحات دقيقة وألوان مبهرة.
هيروشيغه (1797-1858) هو فنان ياباني تخصص في فن الأوكيو-إي، وهو نوع من أنواع الطباعة الخشبية التي كانت شائعة في اليابان خلال القرن التاسع عشر. تميزت أعمال هذا الفنان بتركيزها على المناظر الطبيعية، المشاهد الحضرية، والرحلات عبر مختلف المناطق اليابانية. وتعتبر لوحات هيروشيغه من أشهر الأعمال التي نقلت مشاهد الحياة اليابانية التقليدية بألوانها الحيوية وتفاصيلها الدقيقة.
يتضمن هذا المعرض أكثر من 150 لوحة، بينها سلسلة “خمسون منظرًا من إييدو”، التي تعد تحفة فنية حقيقية، والتي تصور جوانب متعددة من مدينة طوكيو القديمة. كما يسلط المعرض الضوء على سلسلة لوحات أخرى تصور الطبيعة اليابانية، الفصول الأربعة في اليابان، والطرق التي كانت تربط المدن اليابانية ببعضها البعض في ذلك الوقت.
ومن بين أبرز هذه الأعمال المعروضة في المعرض لوحة “موجة كاناغاوا العظيمة”، التي تمثل واحدة من أشهر الأعمال الفنية اليابانية عالميًا، وتظهر القوة الساحرة للطبيعة اليابانية من خلال تصوير موجة ضخمة تجتاح قوارب الصيادين.
أبدى الزوار إعجابهم الشديد بالدقة الفنية والتقنية العالية التي استخدمها هيروشيغه في أعماله. حيث قالت إحدى الزائرات البريطانية: “لقد كان من الرائع رؤية تفاصيل الحياة اليابانية القديمة بهذه الطريقة الحية، اللوحات تنقل إحساسًا بالزمان والمكان وكأننا هناك”.
أشاد نقاد الفن في بريطانيا بالمعرض، واعتبروه فرصة لتعزيز الفهم الثقافي بين اليابان والمجتمعات الغربية. وأشاروا إلى أن الأعمال الفنية لهيروشيغه ليست فقط لوحات جمالية، بل وثائق تاريخية تسرد قصة اليابان وتقاليدها قبل عصر التحديث.
يشرح المعرض أيضًا التقنية التي اعتمدها هيروشيغه في رسم لوحاته، والتي تعتمد على الطباعة الخشبية متعددة الألوان، حيث يقوم الفنان برسم التصميم على ورق، ثم ينقل الرسم إلى كتل خشبية تُنحت يدويًا، وتُطبع الألوان بشكل متتابع لإنتاج اللوحة النهائية.
ويعد هذا الأسلوب من أبرز أساليب الفن الياباني التقليدي، حيث يجمع بين الحرفية والدقة، ويتطلب تنسيقًا عاليًا بين الفنان والنجارين.
معرض هيروشيغه: رحلة فنية عبر الزمن والثقافة
يأتي هذا المعرض في وقت تزداد فيه الاهتمامات العالمية بالثقافة اليابانية، خصوصًا مع ازدياد السياحة إلى اليابان واستقبال طوكيو للأحداث الدولية الكبرى مؤخرًا. ويعتبر المعرض جسرًا ثقافيًا هامًا يربط بين الماضي الياباني العريق والحاضر العالمي.
كما يسهم المعرض في تعزيز الحوار الثقافي من خلال عرض فن يحمل في طياته فلسفة يابانية عميقة عن الطبيعة والإنسان.
رافق المعرض سلسلة من الفعاليات الثقافية، منها ورش عمل لتعليم تقنيات الطباعة الخشبية اليابانية، ومحاضرات حول تاريخ الفن الياباني وتأثيره على الفن العالمي. كما تم تنظيم جولات إرشادية يرافقها خبراء يشرحون تفاصيل الأعمال الفنية وأساليب هيروشيغه.
تقدم لوحات هيروشيغه أكثر من مجرد مشاهد طبيعية أو حضرية؛ فهي تعكس فلسفة وتقاليد اليابان القديمة، حيث كان الفن يعبر عن العلاقة بين الإنسان والطبيعة، ويحكي قصصًا عن تقلبات الحياة، الفصول، والطقوس اليومية.هذه الرؤية الفريدة تميز أعمال هيروشيغه عن غيره من الفنانين، وجعلت من لوحاته جزءًا من التراث الثقافي العالمي.
المعرض مستمر حتى نهاية أغسطس 2025، ويستقبل زواره يوميًا من الساعة العاشرة صباحًا حتى السادسة مساءً. يمكن حجز التذاكر عبر الموقع الرسمي للمتحف البريطاني، حيث تنصح إدارة المتحف بالحجز المسبق نظرًا للإقبال الكبير.كما يقدم المتحف أيضا تخفيضات خاصة للطلاب وكبار السن، بالإضافة إلى برامج تعليمية موجهة للمدارس والجامعات.
معرض هيروشيغه في المتحف البريطاني ليس مجرد عرض فني، بل هو نافذة مفتوحة على تاريخ وثقافة اليابان العميقة. من خلال لوحات تعكس روعة الطبيعة ودفء الحياة اليومية في اليابان القديمة، يتمكن الزائر من التفاعل مع تراث يمتد لقرون، والتعرف على إبداع فني لا يزول مع مرور الزمن.
فالمعرض فرصة لا تعوض لكل من يهتم بالفن، التاريخ، والثقافة، ويجسد العلاقة العريقة بين اليابان والعالم عبر لغة الألوان والخطوط.
اقرأ ايضاً :
